سميرة ورزان والنضالات المتعددة الأوجه ضد الطغيان

بدور حسن

ترجمة: وليد ضو

21 كانون الأول 2013

عندما تأكدت الأخبار عن اختطافها، جرى التعريف بسميرة الخليل على نطاق واسع كـ”زوجة ياسين الحاج صالح”. الحاج صالح الكاتب المعارض المعروف والأكثر تأثيرا من بين الكتّاب العرب، فضلا عن كونه صوتا مثقفا وبارزا للثورة السورية. وبالتالي، فإنه ليس من المستغرب أن يتم الإشارة إلى سميرة كزوجته. هذا الكلام لا يحمل ازدراءً، بل يجب التأكيد على أن سميرة الخليل هي أكثر بكثير من مجرد زوجة لياسين. هي أولا وقبل كل شيء، مناضلة مثابرة من أجل الحرية والثائرة المحبة من أجل حقوقها.

ربما لديها ميل لتجنب الأضواء قدر الإمكان، الأمر الذي يجعل العديد من الناس غافلين عن الجهود والعمل الشاق الذي قامت سميرة به قبل وخلال الثورة. كما هو الحال مع الكثير من الثوار السوريين، حيث بعد إلقاء القبض عليهم حتى يتم  تقدير وتكريم ضخامة تضحياتهم.

ولدت في 2 شباط 1961 في قرية المخرم الواقعة في ريف حمص، أصبحت سميرة الخليل ناشطة في حزب العمل الشيوعي، الذي تأسس عام 1976 وسرعان ما تم حظره على يد النظام السوري لكونه “جمعية سرية تهدف إلى تغيير البنية الاقتصادية والاجتماعية للدولة”. وكجزء من حملته الشرسة ضد المعارضين اليساريين خلال الثمانينات، اعتقل نظام حافظ الأسد المئات من حزب العمل الشيوعي والحزب الشيوعي السوري (المكتب السياسي) في محاولة منه لخنق آخر الأصوات المعارضة له بعد أن سحق حركة الإخوان المسلحين في مجزرة حماه عام 1982.

في شهر أيلول عام 1987، ألقي القبض على سميرة الخليل إلى جانب عدد من رفيقاتها النساء من ضمنهن لينا الوفائي ووجدان ناصيف وهند بدوية وفاطمة الخليل وغيرهن. وأمضت ما يقارب ستة أشهر في سجن فرع الأمن العسكري في حمص السيء السمعة، والمعروف بظروفه المروعة وحيث تمارس فيه أبشع أنواع التعذيب، ومن ثم جرى نقلها إلى سجن النساء في دوما، حيث بقيت مسجونة إلى حين إطلاق سراحها في تشرين الثاني 1991.

بالعودة إلى هذا العام، عام 2013: سميرة مسجونة حاليا في دوما، من جديد، ولكن هذه المرة على يد مجموعة تدّعي أنها تقاتل ضد النظام السوري، النظام نفسه الذي سجن سميرة لمدة 4 سنوات (وزوجها لمدة 17 عاما).

قبل وقت طويل من محاولة هذه القوى خطف الثورة وفرض أنفسهم كطغاة جدد، وعلى الرغم من كل ذلك، سميرة هي- من بين الآلاف من السوريين غير المسلحين- الذين خرجوا إلى الشوارع للمطالبة بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. وقد شاركت في اعتصام احتجاجي تضامنا مع الثورة في ليبيا. كما شاركت في المظاهرات الاحتجاجية خلال الثورة السورية. وقد انفصلت عن ياسين لمدة سنتين تقريبا بعد أن اضطر إلى الاختباء هربا من الاعتقال على يد النظام. وقد تلاقى الزوجان عام 2013 في دوما المدينة المحررة.

“سمّور”، هكذا تسمّى توددا من قبل عائلتها وأصدقائها، بقيت في دوما حتّى بعد انتقال ياسين إلى مسقط رأسه في الرقة ومن ثمّ إلى تركيا. خلال الأشهر السبعة التي أمضتها في دوما، كتبت بشكل واضح ومؤثر عن الحياة اليومية والنضال تحت الحصار، مشبهة الحياة تحت الحصار بالسجن مدى الحياة. وقد وصفت تفاصيل عمليات القصف الجوي اليومية، وانقطاع الكهرباء، والهجمات الكيميائية على الغوطتين الغربية والشرقية في 21 آب. نادرا ما تحدثت سمّور عن نفسها، إنما ركّزت على شجاعة ومثابرة سكان دوما، من النساء والرجال والأطفال الذين عانقوها وعاملوها كواحدة منهم على الرغم من كونها مختلفة عنهم. على صفحتها على الفايسبوك، روت سميرة قصصا يومية مؤثرة، وباعثة على الأمل، متحدثة عن الصمود والتضامن الأهلي وسط ظروف غير إنسانية، من قذائف تصبح لعبة للأطفال، في حين تحاول العائلات تأمين احتياجاتها في ظل ظروف فظيعة فرضها النظام عليهم.

في مساء 9 كانون الأول 2013، اختطفت سميرة إلى جانب رزان زيتونة، المدافعة الدؤوبة عن حقوق الإنسان والمساهمة في تأسيس لجان التنسيق المحلية وزوجها الناشط وائل حمادة، والشاعر ناظم الحمادي. وقد خطف الأربعة من منزلهم، الذي كان أيضاً مكتباً لمركز توثيق الانتهاكات.

على الرغم من أن “جيش الإسلام” نفى مسؤوليته عن خطف الثوار الأربعة وتعهد البحث عن مكان وجودهم، وهو المشتبه الرئيسي في تنفيذ أو على الأقل شريك الخاطفين. جيش الإسلام هو اللواء الأقوى والمهيمن على دوما وريف دمشق. وقد هدد رزان زيتونة سابقاً وأطلق مسلحوه النار خارج منزلها بهدف حملها على ترك دوما.

على صفحته على الفايسبوك، اتهم ياسين الحاج صالح جيش الإسلام وقائده، زهران علّوش، بخطف الثوار الأربعة أو التحريض على خطفهم، وشدد على حقيقة أن “الجيش” المذكور كان قد وعد في التحقيق بالأمر ولكنه لم يفِ بوعوده.

كل من الثوار الأربعة، ولا سيما رزان وسميرة- امرأتان شريكتان في النضال- يجسد بطريقة أو بأخرى المسار السوري المؤلم نحو الحرية.

وكانت رزان زيتونة المحامية العاملة على قضايا تتعلق بحقوق الإنسان، التي دافعت بلا هوادة ولأكثر من 13 سنة عن المعتقلين السياسيين كما رافقت عائلاتهم خلال كل ذلك المسار. ومنذ اندلاع الثورة في سوريا، دعمت نضال مواطنيها من أجل تحقيق الحرية والكرامة في كل السبل الممكنة. وساعدت على تأسيس لجان التنسيق المحليةـ شبكة لامركزية على امتداد البلاد لمجموعة واسعة من الناشطين التي تنظم المظاهرات وتنشر المعلومات وتنسّق أعمال الإغاثة. في نيسان 2011، ساهمت رزان في تأسيس مركز توثيق الانتهاكات الذي يراقب انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، ويمكن القول أن هذا المركز هو الأكثر موثوقية. ولم يقتصر نشاط رزان على المناصرة، لكنها شاركت أيضا في مظاهرات دمشق وضواحيها، وكانت القوى الأمنية تهدف إلى اعتقالها الأمر الذي أجبرها على الانتقال إلى العمل السري. خلال البحث عنها، اعتقل عناصر من المخابرات زوجها وائل حمادة لبضعة أسابيع خلال المرحلة الأولى من الثورة. واعتقل، أخ رزان غير الشقيق، لؤي حمادة، أيضا للمرة الثانية من قبل النظام السوري في 15 تشرين الأول 2013 بعد أن أمضى تسعة أشهر في سجون النظام بين أيلول 2012 وحتى أيار 2013.

بعد تحرير دوما من قوات النظام، انتقلت رزان إلى هناك. حيث واصلت توثيق جرائم النظام الفظيعة والكتابة عن مدن الغوطة الشرقية المحاصرة، محافظة على معايير صارمة من الاتساق والموثوقية والعمل بلا كلل في منطقة بطريركية مزّقتها الحرب.

دعم رزان الشديد للمقاومة الشعبية المسلحة ضد النظام السوري لم يمنعها من توثيق التجاوزات والانتهاكات التي ارتكبها الثوار وعن مطالبتهم بالتصرف وفق القانون الإنساني الدولي. حتى أنّها نظّمت ورشات عمل لاطلاع قادة الثوار على واجباتهم خلال الصراع المسلّح، بما في ذلك ضرورة احترام حقوق أسرى الحرب.

في آب عام 2013، رزان وسميرة الخليل وغيرهما من النساء في الغوطة الشرقية أسسن تحالفا للمرأة ومكتبا للتنمية المحلية ودعم المشاريع الصغيرة، وذلك للتأكيد على أهمية خلق توازن بين أعمال الإغاثة والأنشطة المدنية، وخاصة الأنشطة التي تهدف إلى تمكين المرأة.

بغض النظر عن الجهة التي اختطفت رزان وسميرة ووائل وناظم، هذه العملية تشكل ضربة قوية للثورة، ونكسة للنضال التحرري في سوريا بشكل عام، والغوطة الشرقية على وجه التحديد. لم تكن رزان وسميرة ناشطتين “معتدلتين” كما يحلو لوسائل الإعلام التبسيطية تسميتهما. هما، من دون شك، ناشطتان علمانيتان غير مسلحتين، لكنهما ثوريتان راديكاليتان مؤمنتان بالعدالة، وإيمانهما الراديكالي أعطاهما الشجاعة التي سمحت لهما بالعمل تحت الحصار والقصف، والترهيب في بعض الأحيان.

شمت العديد من مناهضي الثورة السورية بلا خجل من اختطاف رزان وسميرة ورفيقيهما، واعتبروا عملية الخطف فرصة أخرى لانتقاد الثورة. أولئك الذين تلفظوا بعبارات مثل “لقد قلتُ لكم ذلك” و”هذه هي حال الثورة منذ البداية” غاب عنهم شيء، صحيح أن الجماعات الفاشية كجيش الإسلام والدولة الإسلامية في العراق وسوريا قد وسعا من هيمنتهما على المناطق التي حررها الثوار، ولكن كان ذلك بسبب، في جزء كبير منه، الفشل الذريع في توفير الدعم الفعال للناشطين من القاعدة الشعبية ولكتائب مسلحة غير طائفية. كما تتجاهل هذه الأصوات أنه كلما استمر نظام الأسد ممسكا بالسلطة، كلما تصبح هذه المجموعات أكثر قوة. كما تتجاهل حقيقة أن النظام و”أعداءه” من التكفيريين يتبادلون، حتى لو لم يكن عمدا، الدعم المتبادل.

اختطاف الناشطين في دوما والمواطنين الصحافيين في حلب والرقة وإدلب يترك لنا مساحة صغيرة من الأمل. أولئك الذين أطلقوا الثورة، ووثقوا جرائم النظام، وخاطروا بحياتهم وظلوا على إيمانهم حتى بعد عسكرة الثورة تتم مطاردتهم من قبل كل من النظام والمتطرفين الإسلاميين، في حين أن المعارضة السياسية السورية فاسدة وغير كفوءة. تماما كما روع النظام الآلاف من الناشطين وآرغمهم على ترك البلاد، تقوم داعش، وجبهة النصرة وجيش الإسلام بالأمر نفسه في مناطق التي يسيطرون عليها.

اليوم يتوزع السوريون على زنازين النظام ومخيمات اللاجئين وفي المنفى، ترك الثوار السوريون من دون أي خيار إلا مواجهة ذراعي الفاشية والاستبداد اللذين يخنقنان سوريا اليوم: النظام البعثي والمتطرفين الإسلاميين.

المقال مأخوذ من هذا الرابط